التقلات _الاجتماعية

الْمَلَقُ: الزِّيَادَةُ فِي التَّوَدُّدِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي ورجل مَلِق: يعطي بلسانه ما ليس في قلبه ومن مظاهره المعروفه الخضوع، والتذلل، والمداهنة، والثناء الكاذب، والغيبة والنميمة.. يستعين بها المُتَمَلّق، للفت انتباه المُتَمَلَّق له وكسب رضاه، كوسيلة للتسلق الاجتماعي، وتحقيق المآرب الشخصية، متجاوزاً القيم الدينية والأخلاقية، مغلفاً الحقيقة بغلاف المجاملة المزيفة. من سار بين الناس بالتملق أدرك ما يبتغيه لا لشيء إلا لهوان نفسه عليه فيرضى بذلك العيش حياة الذل، فتنهار ذاته وكرامته مقابل التوسل في كسب ود المسؤول الذي بيده مآربه الشخصية . فالشخص الذي يحترمك لا يطلب منك شيئًا، إنه مكتفٍ بتقديرك وتبجيلك، والأهم أن الشخص الذي يحترمك يواجهك بعيوبك دون تزييف، وهدفه ليس التقليل منك أو احتقارك؛ لكن لتحسين نفسك وتدارك أخطائك وسلبياتك واعتقد ان اردنا نكون دبلوماسيين بكلامنا نسميه المجاملة كما يحلو للبعض أن يسميها لكن هناك فرق بينهما وهو أن المجاملة إدخال السرور على قلب محدثك  بصفة فيه تعرفها فيه كان تقول ابتسامتك جميله أو قامتك لطفيه أو ملابسك أنيقة بما يدخل تحت الكلمة الطيبة أما الأُخرى هي فن النفاق الاجتماعي. (يعني يضرب تقلات أكثر من اللازم سببه نشاط هرموني قلة عز النفس) كثير من الناس يعيش فقراً أخلاقياً  لا مثيل له؟! ولعل ذلك راجع لأمرين إثنين: أولهما فقدان كثير من الناس لعزة النفس التي هي أم القيم النبيلة، والتي لم تضيع حتى في زمن الجاهلية الذي سادت فيه بقوة لا في الأشعار فقط، بل كانت سلوكاً واقعاً في حياة الناس، وثانيهما عائد إلى أن المرء اليوم أصبح أكثر حباً للمداهنة وسماع المدح الزائد، وفي حاجة دائمة لتلميع صورته ولو بشيء زائف، فيصير بذلك متمسكاً بكل من يتزلف له مع إدراكه التام لحقيقة من يتملق له، ولا يتقبل ذلك لكونه بلغ في السذاجة مبلغاً.

 إن الحياة بلا عزم وصبر ومثابرة تورث صاحبها الذل، ولعل هذا الوصف مما يظهر حقيقة من يقاوم ويكافح ويصابر ليصل إلى ما يطمح له مع الحفاظ على المبادئ الشريفة والقيم الأصيلة، فالمتشبع بالقيم الأخلاقية يأبى أن يمس الخنوع ذاته، ولا يرضى أن يذل غيره ويعيش مهاناً، ولا يقوى على التملق ولو كان في أمس الحاجة إليه للوصول به لما يبتغيه.

ولا عزة لمن يهان فيظل مطأطأ رأسه خاضعاً لمن فعل به ذلك، فيقتل في نفسه الشعور بالمهانة لحرصه على غرضه الشخصي، مما يعني ابتلاعه لكبريائه وقبوله الإهانة التي تمارس عليه، فهو بهذا المنطق على استعداد لتحمل أي شيء ليظل سيده الذي يتملق له راضياً عنه، لكي يحقق المكتسبات والإنجازات التي يراها في يد سيده، بالرغم من أنه في الأصل يفتقد أهلية استحقاقها، ولا يستطيع نيلها إلا بالطرق غير المشروعة.

 إن الإنسان ليس في حاجة إلى أن يكون غنياً أو ناجحاً أو ذا نفوذ لكي يُعامَل باحترام فديننا وإسلامنا وعقيدتنا وقيمنا كلها تدعو لاحترام الذات. فالإسلام بنى نفوس تضاهي القمم شامخه لا تطأطأ رأسها إلا لخاقها:

حضَرَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وعِنْدَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وكَانَ‏ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.

فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ذَرْنَا نُكَلِّمْ عَدِيّاً، فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ عِنْدَهُ جَوَاباً ؟

فَقَالَ : إِنِّي أُحَذِّرُكُمُوهُ.

فَقَالُوا : لَا عَلَيْكَ، دَعْنَا وإِيَّاهُ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : يَا أَبَا طَرِيفٍ، مَتَى فُقِئَتْ عَيْنُكَ ؟!

قَالَ : يَوْمَ فَرَّ أَبُوكَ، وقُتِلَ شَرَّ قَتْلَةٍ، وضَرَبَكَ الْأَشْتَرُ عَلَى اسْتِكَ فَوَقَعْتَ هَارِباً مِنَ الزَّحْفِ

فقد روى المؤرّخون موقفَهُ الجريء وعقيدتَهُ الصلدة وإيمانهُ الراسخ وما دار من حديثٍ بينه وبين (معاوية بن أبي سفيان)؛ إذ وفد (جاريةُ بن قدامة) على (معاوية)، فقال له (معاوية): أنت السّاعي مع عليِّ بن أبي طالب، والمُوقِدُ النار في شعلك، تجوس قرىً عربيَّةً تسفك دماءَهم؟

قال (جارية): يا (معاوية)، دَعْ عنك عليَّاً؛ فما أبغضنا عليَّاً منذ أحببناه، ولا غَششناه منذ صحبناه.

قال: ويحك يا (جارية)، ما كان أهونك على أهلك إذ سمُّوك (جارية)!؟

قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سَمُّوك (معاوية)! وهي الأنثى من الكلاب.

قال: لا أم لك!

قال: أُمِّي ولدتني للسّيوف التي لقيناك بها في أيدينا.

قال: إنّك لتهددني؟

قال: إنَّك لم تفتحنا قسراً، ولم تملكنا عنوةً، ولكنَّك أعطيتنا عهوداً ومواثيق، فإن وفَيتَ لنا، وفَينا لك، وإن فزعتَ إلى غير ذلك، فإنَّا تركنا وراءنا رجالاً شِداداً، وألسنةً حِداداً، فإن بسطتَ إلينا فتراً من غدر، دلفنا إليك بباعٍ من ختر.

قال له (معاوية): لا كثَّرَ اللهُ في النّاس أمثالك!

قال (جارية): قُلْ معروفاً وراعنا، فإنَّ شرَّ الدُّعاء المحتطب

لاشك ان المتملقين لدناءة النفس وضعف الهمة هم  من القرود الاجتماعية و يجيدون فن التقلات.


تم عمل هذا الموقع بواسطة