محمد أقرب أصدقائي بادرني بالسلام وقال: كأنك في حوار. مع من؟ هل تحدث أوهامك بطريقه السخرية هل رجعت لأوهام الشباب ضاق صدري وتسارعت نبضات قلبي تنفست بصعوبة لما قال هذه الكلمات ، تطلعت إليه لأرى قسمات وجهه. تمعر وجهه وكأنه رأى في عيني بريقاً ملوناً من الخوف والشك ورغبة الانتحاب . قال وابتسامة السخرية والشفقة تترافقان : إذا كنت تفكر بهذا فأنت لست حالماً فقط  بل تعيش في الأوهام ! وبدأ يتكلم في موضوع آخر لكي لا أعاود ذكر ذلك من جديد. محمد: إحرص على أن لا تتحدث عن ذلك ، مرة أخرى ، خاصة غيري .    ولكني أحبها . وظلت نظراته الباردة تخترقني . شعرت بنفسي أول مرة عارياً ذليلاً  من أقنعة الشعور . .انتابني الصمت . رأيت نفسي طعيناً مهزوماً. استدرك  و بطريقة حكيمة وباردة تزحلقت من فمه كلمات جديدة : الإنسان معرض أن تمر عليه حوادث كثيرة وعلى العاقل أن يتخلص من أوهام اليقظة 

 :  ولكني أقسم لك ما أحس به ليس وهماً . إنها الحقيقة ..فجأة كانه أصاب لهاثي عطب مفاجئ . خرج صوتي متوسلاً وأنا أقول : وقد نعيش الأيام الأخيرة من العمر معاً عفواً جيران! وأنا أتحدث مع ذاتي… .قولوا ما شئتم خرف جنون أحلام ؟ مراهقة ؟ جوع عاطفي ؟ يمكن أن تقولوا أي شيء لا يهم ما توصموني به  أحسه ، حباً حقيقياً . والدليل  إن تذكرت ترتعش خلايا جسدي و ترعدت فرائصي ، أحزن ، تدوي في رأسي بيادر من الأفكار.  وأحياناً تجتاحني مزنه من رغبة البكاء .  وأنا أتساءل هل أحببتها حقاً  .تقوقعت لذاتي  هل يمكن اعتبار ما حدث قصة ؟ هل يمكن اعتباره قدراً ساخراً ؟ لا أريد الضياع في غياهب الأفكار العمياء ، فالمشاعر التي تسيطر علي حين أتذكرها تجعلني أقرب إلى المجنون . والأوقات التي يمر فيها طيفها كثيره لدرجة لا أستطيع أن أفكر بغيرها . وامام عيني كلمات محمد كيف إذاً انزلقت الكلمات من شفاهه البلهاء .رجعت إلى موروثي الثقافي في علم النفس كلما بحت بمكنون ذاتك ذلك طريقا للخلاص من الكبت وطريقة ناجعة لإذابة جليد العذاب تمهيداً للشفاء ، عندما يجلس المريض للمعالج النفسي ويبوح إليه  يتلقى المعالج الاعتراف من المريض . تجرأت؟ مرة أخرى لا يهمني . أريد أن أقول ما حصل . سأقول ما حصل حتى لو نزلت نيازك السماء على الأرض . وأنتم ، إذا شئتم اقرأوا .. واذا شئتم كفوا عن القراءة .. وحتى لو قرأتم فلن تضيفوا أية صفة جديدة للصفات الكثيرة أعرفها عن نفسي ! فجأة… قالت عن اذنك سأذهب وزوجي لمشوار للبحر… للمرة الأولى أشعر أن عيوننا تلتقي  كان الجو حاراً ثقيلاً تخيلتها لم تنزل في بروتكول السباحة تخيلتها بنفنوف وردي يخفي مواطن الأثارة فيها وأجراس العرق تجري من عنقها كأنها ودع يمر فوق عجينة مسك وخصلات شعرها التي تلعب مسابقه الريح التي يغازل كل شعره من شعرها الفاحم السواد  . كأنها مهره أصيله تسبق ظلها والمكان منزوي عن الناس مهرة بريه لا تألف النظرات التي تنزلق على جسمها… المفاجئة إنها أخذت بيد سعيد الحظ زوجها… وهي تداري ضعفها الأنثوي فالجميلات يتظاهرن بالضعف وهو عينه بعيداً جداً عنها وربما شعوره أيضا و إن يدها عبارة عن خشبه تلامس يده… لأنه لم يكن صيرفي ماهر لا يقدر الذهب من الحلي المزيف  لا يدري أن اليد التي تتمسك بأصابعه الباردة من أي إحساس إنها دنميت أنثوي ربما أصابه الملل منها بعد أن اكتشف جغرافية جسدها… فاعتادت عينه الرؤيا فالا طبيعي الإثارة أصبحت أقل من الطبيعي  مرتادي السواحل البحرية . نساء أقرب إلى العري ، لا يثرن إلا بهيمي الشهوة وكبار العمر بكروش صغيرة مرتاحة وظهور محروقة . . أما الأطفال فكانوا يبنون بيوتاً ثم يهدمها الموج .. دون تعب . : كنت في ذلك الوقت أمتلئ ضجراً . كنت مغرماً بالقراءة الكتب بوجودها أصبح سطراً في سفرها وحروف كتابي أصبحت غيمة سوداء من المزن التراكمي ربيعاً . لم أستطع القراءة ، ولم أستطع أن أفعل. أحياناً كنت أتصورها مضطجعة على بطنها وتصافح بركات جسمها تلك الرمال المحرومة من العطر الماسي. كانت تخبط بأصابعها على الرمل ، لكن ما كادت نظراتي تزحف على نفنوفها المسجى ظهرها ، حتى ارتعشت كأنها صيدي وحشي تهرب من مفترس. اعتدلت بسرعة ونظرت نحوي مباشرة . وفي تلك الومضة التقت نظراتنا . يجب أن تصدقوا أن في الإنسان شيئاً غامضاً ومحيراً ، اذ ما كدت أراها حتى ظننت أني أعرفها منذ ملايين السنين من قالوا بلى . ليس ظناً ما أقوله لكم .. إنه الحقيقة . الحقيقة المطلقة والوحيدة . عينان تشعان أنوثة تومض بالحزن الداخلي لروحها رغم تظاهرها بالترف  . شفاه عسجدية رقيقة والسفلى منها فاترة بأثارة موجعة .

أما الوجه فيه اختصرت كل الكون وحكايات العاشقين ، فبدا غامضاً لم أستطيع حل شفراته ومجبولاً باللذة والفجيعة وملعوناً  . لا أدري لماذا استولت علي مشاعر قاسية أقنعتني أني لا أملك حق التغلغل والتخيل بالنظر… دامت تلك الومضة من النظرة دهراً في قياس الأرواح . كانت نظرتها حنونة وعابثة . نظرة طفلة شقية ونظرة أم .

رأيت في عينيها عالماً من الخصب والرعونة ، عالماً لا نهاية له . فرحت . كدت أقفز من الفرح . لم أعد أرى غيرها . وددت أن أصرخ . أن أرقص . أية أفكار أخرى عبرت رأسي ؟ ثقوا .. حتى هذا الوقت المتأخر لا أعرف  شعرت بالجنون . شعرت برغبة الحياة تتدفق في جسدي . تأكدت في تلك اللحظة أن الضجر أكذوبة اخترعها الناس المترفون . قلت في نفسي : « لا يمكن أن أتنازل عن هذا الفرح » كان الفرح يزلزلني . يتفجر في داخلي كطوفان . هل طالت النظرة ؟ هل رآها غيرنا ؟ ثقوا أني لا أعرف .أقسم بالله لا أعرف كيف حدث! أنثى ليست كأي أنثى


تستتر متى أرادتْ وبلا أثرٍ .! لأنها تجيدُ فنَ كيميائيةِ التعذيب للأخرين ، وفن التخفي… فصنعتْ لنفسِها عجينة أخرجتها عن ماديتِها لتصبحَ رذاذَ تخدير مختلف.! ففي كل رحيلٍ مستتر لا أجد الا عطرها… .لكن أطربتني رقتها…


إن النفوس إذا طربت غنت فأخذت أدندن


بأغنية فيروز:


حبك خاتم ياقوت بقلبي بيرنّ


وسنين العمر تفوت وهالعمر يجنّ


ما زال الليل سكوت وبعدك بتحنّ


إن ما سهرنا ببيروت منسهر بالشام


فجأة كأني سقطت من عشرات الطوابق وإذا ام عمر توقظني…


أبو عمر إجلب لنا الصمون واللبن وإياك أن تجلب لبن رديء الاولاد لا يأكلونه… فصحوت من سكرتي فإذا هي أضغاث أحلام أيها الساده!..




تم عمل هذا الموقع بواسطة